الفرق بين السّنة والعام في القرآن
من الأسباب التي جعلت من القرآن الكريم معجِزاً ولا يمكن أن يُؤتى بمثله؛ أنّ الله - تعالى - وضع كلّ كلمة فيه بمكانها الصحيح، حيثُ إنّ كلّ كلمةٍ لها معنى تؤدّيه في مقامها على أكمل وجه، ومن الأمثلة على استخدام لفظيّ سنة وعام في المواضع التي تناسبهما، حيث حمل كلّ لفظٍ معنىً مختلفاً عن الآخر، قال الله تعالى في سورة العنكبوت : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)، ولقد اختلف المفسّرون في تفسير هذين اللفظين، وبيان ذلك على النحو الآتي :
ذهب الفريق الأوّل من المفسّرين إلى أنّ اختلاف اللفظين لحكمة لفظيّة فقط؛ حتى لا يتكرّر اللفظ مرّتين متتالتين فيصبح ذكره ثقيلاً على اللسان، فالحِكمة تغيير اللفظ إلّا إذا كان هناك حاجة من تعظيمٍ وتهويلٍ.
ذهب الفريق الثّاني من المفسّرين إلى أنّ السّنة عند العرب تُطلق على السّنوات الصعبة التي مرّت بالجدب والشدّة على النّاس، وهذا يُناسب حال نوح عليه السّلام؛ إذ كانت دعوته لقومه شاقّةً وعسيرةً فكان قومه مكذّبين له ومعرضين عن دعوته، وكذلك كان المطر قليل والأرض جدباء، بعكس الأيام التي تلت الطّوفان التي قرنها الله - تعالى - بلفظ العام، عندما هلك أهل الكفر، ومرّت على الأرض أيام خصوبة ورخاء، كما يُشار أيضاً إلى أنّ لفظ سنين ناسب الحديث عن أيّام الكفر لذمّها، ولفظ عام جاء لوصف الأيّام التي قضاها نوح - عليه السّلام - مع من آمن معه.
وقد قال الراغب الأصفهانيّ : العام كالسّنة؛ ولكنّ العرب تطلق السّنة على أياّم الشّدة والجدب، والعام على أيّام الرّخاء والعطاء، وكذلك استُعمل لفظ عام في سورة يوسف : (عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفيهِ يَعصِرونَ)؛ حيث قُرِن لفظ العام بالغيث، وكان قبلها قد جاء لفظ السنين مع الجدب والعمل المتواصل لمواجهته، فقال الله تعالى في سورة يوسف : (قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا).